وقفة مع قصيدة الشاعرة والدكتورة شفيقة وعيل "استجداء لذاكرة الماء"

وقفة مع قصيدة الشاعرة والدكتورة شفيقة وعيل 
"استجداء لذاكرة الماء"
وأستعير تعبيرها حين قالت في مطلع إحدى قصائدها:

 "الخطوة الأولى تزاول ظِلها"؛ وخطوتي في الكتابة عن
قصيدتها هذه "خطوةٌ تزاول ظلها" ليس فقط لأن
الدكتورة شفيقة أستاذة في النقد والتصوف؛ بل لكونها
أيضًا شاعرة شديدة العذوبة والحساسية.

كان لقائي الأول بشعر الدكتورة في تسجيل لأحدوثة
شعرية لمنصة براح؛ كان عنوانها "نوفمبر سدرة
اللامنتهى" عن الوطن وبدأ انبهاري فيها في المقدمة
التي أعاد فيها الشاعر هاني تيتاوي بيت من قصيدتها
"لبراق قرمزي" حين قالت: 
"اليقينيّ أنت، والكون وهم
جئت أصلًا ونحنُ منك اشتقاقُ "

و استخرجت تسجيل قصيدتها العذبة "وطن المجازات"
من نفس المساحة لأحتفظ بها وأنشرها.

تلا ذلك رحلة بحثي في الانترنت والمنصات عن قصائد
الدكتورة ولقاءاتها
وأسفرت رحلة البحث هذه عن قصيدتها التي أقف
عليها اليوم

 "استجداء لذاكرة الماء".

تقول الدكتورة أن القصائد إما أن تكون بنات عقل أو
بنات روح، وأزعم أنا أن هذه القصيدة بنت عقل وروح،
فهي لم تحتوي فقط على اشتغال عظيم على الذاكرة
والنص الديني وقصص الأنبياء مع الماء، بل كانت أيضًا
قصيدة لا يقل جمال لفظها ومجازها عن جمال معانيها .

أستعين ببيت من القصيدة لأعطي نفسي حق تأويلها ـ
كقارئة ـ وإقدامي على الغرق في معانيها بلا حذر..

"وكُـنْــتُ أُدْرِكُ ما بالـــماءِ
مِــنْ غَــــــرَقٍ
وكانَ يَــعْـــرِفُ أَنِّــي لَـمْ
أَكُـــنْ حَـــــذِرا"

ذاكرة الماء تبدأ قبل الولادة، يعرفنا الماء قبل أن نصبح
بشرًا، ونعرفه في خروجنا الأول منه، في شهقتنا الأولى.
"يا مــــاءُ تَــــعـــْــرِفُ في
الأَسْـــماءِ شـهْــقَــتَـنا
الأُولى وتَـعْـرفُـنا مُــــذْ لَم
نَـكُــنْ بـَــــشَــرا

فَكَـيفَ تَــــنْساكَ إذْ تَــنْــسى
انْــبِـــثاقَ دَمِي
في مطْـلَعِ الـبَـوْحِ أَمْ هَلْ
غِـبْتَ حينَ جَرى؟"

والماء مؤنس وحدة نبي الله يوسف في الجُبّ
"وإذْ هَــمَـسْـتَ بِــقَعْــرِ
الـجُــبِّ تُــؤْنِــسُــني
سـَـيَــسْــجُـــدُونَ وإذْ
أَخْـبَرتَـني الـخَــبَــرا"

والماء معجزة الله لأم نبيه موسى كليم الله عليه السلام،
حين ألقته ليلًا في اليّم:
"وإذْ حَــــمَـــلْتَ طُــــفُــولاتِ
الـــزَّمانِ عَلَى
لَـيْـلِ الـــتَّـــوابِـيــتِ، إذْ
آوَيْـتَـــها سَــحَـــرا

آمَــــنْتُ أَنَّـــكَ مِيـــــقاتُ
العُــــبُــورِ فَــلَـــمْ
أَكْــفُـرْ بِـدَفْــــقِــكَ لَـمَّا
اسْــتَـنْـطَـقَ الـحَجَـرا"

والماء أيضًا في حادثة السقيا عندما سقى نبي الله
موسى لفتاتين لم تَرِدا الماء خجلًا من مزاحمة الرجال:

"ولَــــمْ أُكَـــذِّبْ فَــتَــاةَ
الحـَــــــــيِّ إذْ وَرَدَتْ
ولا كَـذَبْـــتُـــــكَ لَـــمَّا
أَوْمَــــأَتْ خَــــفَــــرا"

وورود الماء والتداوي بالاغتسال فيه من المرض
والضرر؛ في قصة نبي الله أيوب:
"ولا شَـكَــكْــتُ بِــأَنّي فـِـــيكَ
مُـــغْــتَـــسِــــلٌ
كَـيْمــا أُداوِيَ في
إشْــفَـــاقِــكَ الضَّـــــرَرَا"

وأخيرا إشارة الدكتورة لمعجزة الله عندما ضرب نبي الله
موسى البحر بعصاه فشقّه لينجو والمؤمنين من بطش
فرعون وجنوده:

"هَــاؤُمْ أُولاءِ على إثْــــرِي
أَسِــــيـــرُ بِــــهِمْ
والـخَــوفُ يَسْـــمَـــعُ مِنْ
أَنْــفاسِـــنا ويَـــرى

أَنَّـى أُطَـــمْــئِــنُــني
والــتِّـيــهُ يُـــرْبِـكُــهُـــمْ
وكَــيـفَ أَشـْــــرَحُ أَنِّـي
أَعْـرِفُ الــخَــطَــرا

،فــخَـلْـفَـنا مِنْ جُــيُــوشٍ لا
نَــحِـيــقُ بــِـها
وأَنْــــتَ جَـيـْــشُـــكَ،
لاجُـــنْــدٌ ولا أُمَـــــرَا "

وتختم الشاعرة والدكتورة شفيقة قصيدتها بقولها:
"إنِّـي تَــلَـوْتُـــكَ
والغُـــفْـرانُ يُـــخــجِـــلُــني
والــنُّــونُ يا مــاءُ مِنْ
تَــرْنِـــيمَــتي جَــــأَرَا

فَـقُــلْ كَـلامًا يُـــواسِــيـنِــي
ويُـــقْــنِـعُــهُـــمْ
كَــيْــلا نَــــعُـــــودَ، إذا ما
جَـــادَلُـوكَ، وَرَا "

كل ما أوردته في وقوفي على هذه القصيدة هو غيض
من فيض، ليس فقط لأن وقوفي ببابها هو وقوف
القارئ المحب؛ بل لتواضع أدواتي النقدية وحصيلتي
اللغوية والدينية. ولا أملك سوى شكري الجزيل لجناب
الدكتورة شفيقة وعيل، التي روت لي وأروتني بقصيدتها
هذه؛ آمله أن ألقاها في يوم ما لأتعرف على منبع هذا
النهر العذب.

الجمعة 27 أكتوبر 2023

هوامش

١. استجداء لذاكرة الماء "ما قاله العابر ونسيه الماء"
https://soundcloud.
com/gougou29/v7jnhgsuthtk?ref=clipboard&p
=a&c=0&utm_source=clipboard&utm_medium
=text&utm_campaign=social_sharing

٢. أحدوثة شعرية "نوفمبر سدرة اللامنتهى"

https://soundcloud.com/barahmpg/poetry-
8?ref=clipboard&p=a&c=0&utm_source=clipbo
ard&utm_medium=text&utm_campaign=social
_sharing

٣. قصيدة الدكتورة شفيقة وعيل "وطن المجازات"
https://soundcloud.
com/t1kmek74ne5e/seakjkhufe60?ref=clipbo
ard&p=a&c=1&utm_source=clipboard&utm_me
dium=text&utm_campaign=social_sharing

٤. أحدوثة شعرية عن الله وإليه - براح
https://soundcloud.com/barahmpg/poetry-
6?ref=clipboard&p=a&c=0&utm_source=clipbo
ard&utm_medium=text&utm_campaign=social


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن أدب النساء وليلى أبوالعلا

قلق التأخُر

كيف أنساكِ؟