وفي البدء كان الختام
"سيرة ثلاثة أيام"
ألف كلمة عن أحاديث من ألف
ليلة وليلة
"أتاني الخميس الطلق يختالُ ضاحكًا"
في بهو الفندق تنتظرني شعاع وتحتضنني على عجل
فيغمرني فيض نورها..
ومن فيض النور إلى كرم الضيافة ورقة الحديث
ودفء الأماكن،اشادتها بذوقي الموسيقي وقهوتي ..
صوت مارسيل خليفة وقصائدنا قبل النوم، عطر
المسك على الشال العنابي والبخور على العباءة،وكل تلك التفاصيل التي احتضنتني بها
"بنت النور" ..
زحمة "سيارة الاوبر" وضحكات ريما على تذمري المتواصل، ضجيج قلوبنا وضجيج السيارة بأغنية بدت لنا غير مستساغة فطلبنا غَيرها، "لا شيء محدد/ أي شيء لطلال مداح" وامتلأ المكان، وقَلبي بصوت طلال مداح وأغنيته الأحب لقلبي "أنا راجع أشوفك" ..
أردد خلف طلال مداح بخفوت وأمل " لقيتك..
لقيتك.. زي ما اتمنيت"
وصولنا الى اللقاء المنتظر قبل الجميع ..
محاضرة اثراء الطويلة.. لقاء الأصدقاء وعدم
احترام تحذيرات التباعد..
زحمة" سيارة الاوبر من جديد" والعشاء
الذي كان سبب مهم في افلاس الجميع ..
السهرة اللذيذة والليلة الطويلة التي لم تجد
فيها عيني النوم..
وترافق ليلتي هالة مالكي وتردد"يطوف خيالك
دومًا ببالي ".
وأغنية فيروز " من عز النوم" تسرقني من كل الأغنيات..
"كنا اتودعنا وصوتك غاب
وناداني العمر الفاني
ولما عاحالي قفلت الباب
لقيتك بيني وبين حالي"
أحادث وداد بعد يوم طويل وكأنني وأعود إليّ بعد
رحلة سفر..
صباح الجمعة ..
استيقظ
على صوت ريما بعدما حظيت بساعة واحدة فقط من النوم..
الكثير
من التصبيحات والأغنيات
" شال الكشمير على كتفيك يرف حديقة
ريحان"
"
من زعلك طاحت من الليل قمرة"
والكثير
من الأسئلة التي لا أملك لها اجابات..
نزهة بحرية"غير عادية" بكامل
التجهيزات برعاية سلة ربى واختيار زينب للسيارة الضيقة للمرة الثانية ..
لأول مرة لم أشعر أن ماء الخليج كان "غريبًا
علينا"..
نعود للفندق بعدما اختارت زينب لأول مرة سيارة
مناسبة.. أبحث عن مريم واتصل بها .. نجتمع في غرفة سارة أحاديث عن الشعر والأغنيات
ويا ليلاه ترافق ليالينا ونهاراتنا مع فواصل من الأغنيات السودانية ..
الحفل الأول..
يتوقف الزمن عند بيت حذيفة العرجي في نص ليان
" لم يكذب الليل حين الليل أخبرني
أن الذي غاب دهرًا لن يعود غدا.."
الليل لا يكذب كان هذا هو الدرس الأول .
وأغنيات الرحلة والسؤال الذي يأتيني في أقصى
حالات الطرب "انتِ وعد الي تحب محمود درويش؟" لأضحك وأجيب نعم "أنا كل دول"..
رحلة العودة وأمسية شعرية مقامة لتعذر اقامة
أمسية طربية..
أردد قصيدة محمد عبدالباري "ذاهبًا كالبرق"
وأقف كثيرًا عند قوله "لكل سهمٍ - وإن شق الرياح - مدى"
ثم السهرة الثانية ..
سهرة كأنها بيت أحمد شوقي
"ضمي
قناعك يا سعاد أو ارفعي
هذه المحاسن ما خلقن لبرقع"
وأمسية شعرية بالمسك والدموع على سريرنا ..
نردد أنا ورزان قصيدة ياسر الأطرش
"دمشق" ونغفو على صوت نور الهدى تغني وأردد "عبث الحب بقلبي فاشتكى"
صباح السبت..
نتقاسم أنا وربى السماعة وصوت طلال مداح ونمشي
للبحر ..
أقطف الورد وأستمع لتوبيخ نورهان ورزان بنصف
انتباه..
لا يفارقني صوت شادية ونداءها العذب "واحشني والله واحشني"..
نعقد مجلسًا صغيرًا نحاول الاتفاق على مكان
مناسب للخروج واستقر الخيار على مكتبة جرير ..
أقف أمام الرف الذي يحوي روايات ابراهيم نصر
الله اتحدث عن كل رواياته وأقف طويلًا عند روايته الأحب لقلبي "تحت شمس الضحى"
أفقد كل ما يمكن أن يحكى
لم ترافقنا زينب هذه المرة وعدنا لأزمة
السيارات الضيقة لكن " الشكوى لله .. الوسع بالقلوب"
نقاش حول
"فلسطين " ومسلسل التغريبة ..
أحاديث عن اللهجات استغلها لأشاكس رفيدة وأقول
أنها تتحدث "الفصحى السودانية".. وأصرح أنني لا أتحدث بكامل اللهجة إلا عندما أرتاح..
*أستمع
لتسجيلات لقاءنا أثناء كتابة هذه التدوينة لأجدني أتحدث بلهجتي كاملة في كل
الأوقات فأدرك أنني بلغت في هذه الأيام قمة راحتي ورضاي.
مساء
السبت..
مريم
التي لا تفارقني كقلبي.. نتحدث عن كل شيء.. نشرب القهوة في المقهى المجاور ونحادث
كل من نصادفه أو نختبئ في ذلك الركن الخفي من البهو لنضحك ونسخر من كل شيء ..
قبل
الحفل بدقائق نتجول في البهو بغير هدف وألح عليها أن تضع لي كحل "لن يدوم
طويلًا" ..
اتصال
مدته دقيقة للصديق الغائب "الحاضر في القلب والذاكرة"..
الحفل
بكل تفاصيله .. تذمرنا على بعد المقاعد.. تمر احدى المنظمات لتخبرنا أن هناك مقعدًا
فارغًا في الصف الأمامي.. أنظر لمريم لدقيقة وأفكر وسرعان ما نرفض كلانا ذلك
المقعد الذي لن يتسع لنا معًا..
رفيدة وظلال الخرطوم خلف صوتها، وشلالات الدمع
الأسود تهطل من عيني حٌبًا وفرحًا..
وكل ما يمكن أن أصف به هذه اللحظة لا يتعدى
كونه"كلام ساكت" ..
جنان وباقة الورد بين كفيها وصوت يا ليلاه في
الخلفية..
في رحلة العودة ..
أحاول استيعاب كل ما مر..
وقفت جوار رفيدة .. ربما حاولت أن أعطيها شيئًا
مما أعطتني فألقيت لها "نافذة لقمر أسمر" القصيدة التي اتسعت لتحتضننا
جميعًا في هذه الليلة..
نغني من جديد..
اليوم يمكن تقولي ، لوباقي ليلة .. وكل أغاني الفرح.
وختمت
مريم اللحظة بتوقيعها بالأغنية السودانية الوحيدة التي تعرفها"الليلة بالليل
نمشي شارع النيل" كانت هذه اللحظة
أكثر لحظة تمنيت فيها فعلًا أن أمشي شارع النيل ..
كانت سعادتي في هذه الليلة أكبر من أن أصفها
بالكلمات، كانت هذه هي الليلة الوحيد التي لم أسأل فيها نفسي سؤال كل ليلة "
كل دا كان ليه" ..
ترافقني أغنية" ما تفوتنيش أنا وحدي"
وأردد " لكن لإمتى يا عيوني انت نبقى حبايب ومش حبايب" وابتسم وأردد "
فين القلب الي يقدر يستحمل كل دا!"..
السهرة الثالثة..
أحادث خولة عن موضوعنا المفضل " حجي جابر"
ولعبة المغزل..
ابتسم لمحاولاتهم غير المجدية لتعليمي أي لعبة
من الألعاب الموجودة..
الثانية بعد منتصف الليل..
في ركن دافئ مخفي من البهو .. نتدذر
بالشال والقصائد
حديث
مفتوح لا بداية له ولا نهاية بيني وبين شهد قيل فيه كل ما لا يقال، بين القصائد
والدموع والضحكات ..
طال
الحديث حتى بلغ غرفتها الصغيرة، توصيها والدتها الجميلة بأن تكرم ضيافتي فابتسم
واتبادل الأحاديث اللطيفة معها وأعدها بزيارة في المدينة..
عند السادسة صباحًا نشرب شعير الرمان ونأكل
الحلوى..
تفتح
ستائر الغرفة وتضع الاريكة الصغيرة مقابل النافذة، نراقب شروق الشمس وغروب احزاننا،
امسح على شعرها حتى تغفو وكفي بين كفيها..
أخرج
من غرفتها وأمر على قول ابن حزم الأندلسي"ولولا
أن الدنيا ممر ومحنة وكدر، والجنة دار جزاء وأمان من المكاره، لقلنا أن وصل
المحبوب هو الصفاء الذي لا كدر فيه، والفرح الذي لا شائبة ولا حزن معه، وكمال
الأماني ومُنتهى الأراجي."
أغرق
لأول مرة منذ ثلاثة أيام في نوم عميق "في غرفة التبديل" وأصحو على نهاية
كل هذا ..
أغادر
دون وداع وأردد
"
صديق النوارس حتمًا سيبكي
لأن
النوارس مهما أحبت
رمال
الشواطئ يومًا
سترحل
.."
وأفكر
في هذا المجاز دائمًا..
هل أنا النورس الغريب؟
أم أنا صديق النوارس الغريبة ..
تعليقات
إرسال تعليق