مقاس حر
الأربعاء أو الأحد مكرر أو ربما خميس أو سبت فأيامي أصبحت كلها مُتشابهة إلا من فروق طفيفة، والحمد لله على كل حال.
تميم يهذر بتاريخ الأمم السابقة، أجفف وردًا في محاولة لإطالة حياته التي انتهت كما انتهى كل شيء إلا أملي الساذج الضعيف بكل الناس وبكل شيء، أسجل قصيدة جديدة لكسر رتابة اليوم، أبحث عن مقطوعة موسيقية تتناسب معها، أرردها مرة أو مرتان قبل تسجيلها على الأقل، وأطمئن لفكرة أن لا أحد سيستمع لها إلاي وبعض الأصدقاء ممن أختارهم بعناية .
يمر على بالي ما أحاول الهرب منه حتى في كتابتي هذه، أسب بالي وخيالي وما مر به من حوادث وأماكن وأشخاص وأضحك، أضحك لكل شيء، وما ضحكي إلا محاولة لدفع البكاء، وهي محاولة تنهار في كل مرة يتسرب لحن أغنية ما إلى مسمعي، أجلس أمام شباكي المطل على اطلالة غير مغرية للوصف بتاتًا -ولست في مزاج يسمح لي باختلاق أخرى- أعرف أن الكتابة كلها اختلاق، لكني اليوم أكتب نفسي بغير تجويد، وأعاتب نفسي أيضًا، إلى متى ستظل كتابي تدور حولي، حول أيامي الرتيبة وذاكرتي التي يعشعش فيها الفقد، ونفسي التي لا تشفى من ندوب الوجد والغربة. أضحك من جديد حين أذكر ما ألم بي حين كتبت أوهامي، فتحولت هذه الأوهام وتحورت وخنقتني.
أعيد التفكير، تُلح عليّ الكتابة، أستجيب لمداراة قلقي من نتيجة مرتقبة في يوم غد، قد تقضي لي بما حلمت به أو لعلها تقضي عليّ وهذا ما حلمت به -بلا مبالغة- في أيام ماضيّة، أختبئُ في شعر محمود درويش، أقرأ بصوت مرتفع "رب الأيائل يا أبي" ، أهذي وأتمايل طربًا على أنغام أم كلثوم، أنزوي في ركن و أبكي مُرددةً قول الفيتوري " لا بأس أن نبكي قليلًا ربما طهرنا البًكاء" .
ولأن الكتابة يجب ألا تفصح عن كل شيء، لأنها يجب أن تبقى مجردة ملغمة كثوب فضفاض"Free size" يناسب أوجاع الجميع ويُطبب قلوبهم،تخلع وجعك لتلبسه قميصًا لكل العابرين، يرد لهذا بصرًا ولذاك وطنًا ولتلك أبنا، تفرق دمك بين القبائل وتموت بعد أن تصرف آخر قطرة منه.
فلن يُعنى أحدهم بنفاذ قهوتي التي أشتريها من المحل الذي يحمل اسم مدينة، و تحمل المدينة ذكرى، وتتسع هذه الذكرى لتحمل أوجاعًا لا توصف، وتدور هذه الدائرة وتلتف كما يلتف حبل المشنقة على رقبة السجين، ولا يجد القارئ من هذا كله إلا حادثة نفاذ القهوة وصداع الكتابة وتشبيه الذكريات بحبال المشنقة فيؤنسه ذلك ويواسيه.
ولا أدري إن كان حديثي هذا هو حديث ساخط لا يؤمن بجدوى الكتابة، أم هو حديث مقهور يؤمن أن كل كتابة مهما تجملت واكتملت تصلنا ناقصة، هذا النقص الذي لا يتم حتى في نفس صاحبها، فلا يدري كيف تكونت هذه العبارة التي فُتن بها هو والقارئ معًا، فهي أوهام تدور في رأسه قبل أن يكتبها، وهواجس تدور في خلده بعد أن كتبها، وكوابيس تخنقه بعد أن نشرها- لهذا أستتر بمدونتي المجهولة هذه- وكم أسعد في كل مرة أكتب فيها أنني مازلت ضئيلة لأُخطئ وأدرك أخطائي وأمحوها وأعدلها دون أن يتنبه أحد لوجودها أو حتى وجودي.
إنها نعمة أن يظل المرء مجهولًا، فلا يلوث خياله رأي قريبه فلان أو صديقه فلان حول ما يكتب، ولن يخشى أن يكتشف أهله وأصدقائه أنهم مادة للكتابة وعتبة لاختلاق الحكايات. لن تنبت على رأسه ألف نخلة ونخلة تمر بينهن الأفكار كما يمر العرب بين حدود إخوتهم العرب-بحذر وضيق وريبة- لن يراقب أقواله بعين أبيه وأخيه وجده السابع عشر وقبيلته.
يهتف راشد الماجد من قائمة الأغنيات العشوائية " من أجل خاطري إن كان لي خاطر" فأشعر أنه يرجوني أن أكف عن هذا الهذيان الذي أدعوه جًزافًا "كتابة".
3-3-2021
تعليقات
إرسال تعليق