سيدات جوخة الحارثي




 ميا التي اختارت أن تحب علي القادم من لندن، خولة التي آثرت انتظار ناصر، أسماء التي أحبت خالد "بعقلانية" وأحبت أمومتها وكتبها أكثر .
في يوم واحد بين السيارة والسوق والمنزل ، أنهيت قراءة سيدات القمر لجوخة الحارثي، هذه الحكاية التي بدت لي كمرآة لروحي ولروح الكثير من النساء في كل مكان. حين بدأت القراءة لم يكن ببالي إلا صور مشتتة عن عمان، ممثلة عمانية جميلة، لقاء أستضيف فيه شاعري المفضل، حفلات كاظم الساهر في الأوبرا السلطانية وبعض الحكايات المشتتة.
 
عن لغة جوخة المنسابة النقية كالماء، عن أصالة ما تكتبه، عن الحب الذي يحمي من الغربة، وعن الحب الذي يولد الغربة، وعن حب ثالث لا يعود الانسان بعده لما كان عليه، ها حكاية جديرة بأن تكون لونًا بارزًا من ألوان العلم العماني، أن يطرز عنوانها في ثياب النساء، هذه الحكاية التي ولدت منهن وآلت إليهن. النساء هنا كما تعرف كل واحدة منهن نفسها بكل المحاسن والمساوئ البشرية، تكتبنا جوخة كما نرى أنفسنا، وتخرجنا من أدوار النساء النبيلات لحد التطرف اللواتي يقفن خلف أزواجهن لنصرة الأمة، أو البغايا مسلوبات الإرادة ، أو حتى النساء الصابرات على قتل أطفالهن وأزاجهن ولا يفعلن شيئًا سوى تشييع الجثث بالدمع الأسود والمراثي. تخرجهن من عباءة الدور الواحد المناط بالمرأة في عين كل الروائيين العرب، إلى رحابة دنيا النساء، إلى أحاديثهن الهامة والتافهة، وإلى أدوارهن الحقيقية وإلى ألوانهن المتنوعة. تعيد إليهن جوخة طبيعتهن البشرية، وتخلع عن نساء حكاياتها ثياب الملائكة التي لطالما تعثرت بها أقدامهن.
وفي الإحاطة ببشرية المرأة وهمومها الإنسانية العادية تذكرني "سيدات القمر" بسفيتلانا ألكسييفيش في روايتها "ليس للحرب وجه أنثوي". حيث قامت كل منهن بوصف الحياة الحقيقية للنساء دون وضعهن في قالب ملائكي يقلل من قيمتهن الإنسانية، النساء هنا مختارات، تملكن ما يفضل أي بشري عن الملائكة الذين " يفعلون ما يؤمرون"، تملكن الإرادة التي ميّز الله بها الجنس البشري.

لا أعرف هل كانت كتابة عمل مثل "سيدات القمر" كتابة صعبة، لكنني أعرف أن قراءة عمل كهذا كانت قراءة سهلة، عميقة، تدثر القلب من شتاء الحكايات المُعلبة، وتنقله إلى دفء الحكايات الأصيلة، التي لا نحتاج بذل أي جهد لاستيعابها والاحاطة بها لأنها جزء من يوم كل النساء في كل مكان، جزء من مشاعرهن ومن وهج أرواحهن.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن أدب النساء وليلى أبوالعلا

قلق التأخُر

كيف أنساكِ؟