ريٌّ وروى ورواية وتروي
أُحرر الآن هذا النص بعد رحيل راوية.
تجادلنا ذات مرة حول ماهيّة الاسم، هل جاء من الريّ أم من رواية الحديث..
ولا اجد ضيرًا أن تقع راوية بين النهرين، فهي الحكاءة التي لا يُمّل حديثها، والنهر الذي يرتوي شاربه من أول حكاية وأول مواساة.
رفيقة الليالي الطويلّة والنهارات الحارّة وانقطاع الكهرباء، حين نرتجل لباسًا لائقًا لنذهب إلى الجامعة هربًا من الحرّ، اجاورها في قاعة ٢٥، تقرأ من كتابها وأقرأ الإلياذة والأوديسة، ونتبادل الأحاديث الطويلة في طريق عودتنا.
وحين تضيقُ دنيايّ عليّ فأخرج مع راوية لنمشي ونأكل الآيسكريم ونتجول بلا هدف في "شارع الوادي" ويسرقنا الوقت فنحثّ خطانا ونعود ملفعين بالغبار والدمع المتطاير من الضحك لحاقًا بآذان المغرب.
نُغني أغنيات مصطفى سيدأحمد وأقرأ لها شعرًا فتسمعه بنصف انتباه وتضحك من حاليّ ومن دموعي العصيّة الإ على أبيات الشعر الجميلة والوداعات..
تتذكرني في مشوارها القصير وتُحضر لي كيك الشوكلاتة الذي أُحب، وتدعوني لحفلةِ بكاء صغيرة على سطح منزلنا، المنزل الذي اختل اليوم اتزانه بعد غيابها، نزاعنا الصباحيّ على مكواة الملابس، فواصل الكتب المهداة من راوية والمرسومة بكفّ يدها،ما علّق بذاكرتي من شرح ال (DKA)، وأحاديث آخر الليل حين تجيءُ راوية لتجلس على طرف سريري فنغرق في حكايانا التي لا تنتهي..
في وداع راويّة، التي رويّت مِرارًا من عذب ماءها وحكاياها..
هاهي حصوني في الأرض تنقص حصنًا، وأركاني تنقص ركنًا، وحكاياتي تُبترُ من منتصفها فلا أدري إن كان بوسعي لملمة أطرافها وروايتها من جديد..
"لأن النوارس مهما أحبّت رمال الشواطئ يومًا سترحل"..
تعليقات
إرسال تعليق