ماذا أفعلُ بالليل الفائض عن حاجتي الآن؟



 لذكرى غسان كنفاني (1972-07-08).فلسطيني حتى أطراف أصابعك. فلسطيني حتى الحماقة. وهذا هو مجدُكَ إذا كان المجدُ يعنيك.


ماذا أفعل بالليل الفائض عن حاجتي الآن؟ *


في الليل، وبينما "كلٍ يغني على ليلاه" كما يقول أهل الخليج، في زاوية ما أُغني أنا مع مصطفى سيدأحمد "الشاغلين فؤادي"، وأقرأ رواية جبرا ابراهيم جبرا "البحث عن وليد مسعود"؛ ذكرني ما كتبه جبرا برواية غسان كنفاني "الشيء الآخر.. من قتل ليلى الحايك"، لولا أن لجبرا نَفَس أطول في السرد، ولحكايته تسارع أخف وأقل حدّة، ولغسان نَفَسٌ مناضل، حار ومتسارع يرميك في آخر الحكاية كمن يسوق عطشانًا لسراب ويُعيده أكثر عطشًا وولها..


لا أُنكر إنحيازي لغسان كنفاني، للكف المُمسكة - في معظم الصور - بالقلم والسيجاره؛ غسان الشهيد المناضل الفلسطيني، المُتمرد، والعاشق الوسيم سطّر لغادة السمّان أعذب و أبلغ رسائل الحُب والغرام.. 


 غسان حكّاء ماهر، يسلب لُب القارئ ويتركه في الختام مُعلقًا ينتظر؛ كما ينتظر شهريار نهاية الليالي الألف.. 


لكني أظن أن سبب انحيازي الحقيقيّ لغسان كونه الكاتب الوحيد الذي أقام ميزان عدلٍ بين قضيته وبين حكايته، فلم يسكب الكأس الأولى على الأخرى فيفسد بذلك الكأسين؛ ويهدر الحكاية والقضية..

  

 يحكي غسّان في الشيء الآخر عن جريمة قتل "ليلى الحايك"، كيف بدأت علاقة المُتهم - السارد - بالقتيلة، ويُبرر إشارة كل أصابع الاتهام الموجهة إليه، ويقفي في آخر الحكاية وهو ينفي التهمة عنه، وهو المحامي المُتمرس ولا يملك دليلًا واحدًا ليثبتها على غيره أو ليدلل على براءته.


ينظم غسان الحكاية حبّة حبّة حتى يبلغ الحبة الأخيرة - الرابعة والثلاثون - وبحركة عابثة يفلت كفّه ويُلقي بالخيط والمسبحة ليترك قارئه ذاهلًا مفتوح العينين، لا يسعه - من فرط الدهشة - أن يلم حبّات الخرز.. 


بينما يروي جَبرا في "البحث عن وليد مسعود" عن قصة اختفاء كاتب ومناضل و"دونجوان"، لم يترك خلفه إلا شريط تسجيلي يورد فيه ذكر أسماء عدد من أصدقاءه، وعبارة واحدة أو أقل عن علاقته بصاحب الإسم - لا يفهمها إلا من وجهت إليه - في الفصول التالية يحكي أصحاب وليد من الرجال والنساء عنه من أوجه كثيرة، عن عشقه وعن نضاله وعن ذكاءه المتوقد وحسه الفني العالي.


يبعثر جبرا خيوط الحكاية، أتعثّر في البدء، أُحاول لمّ الحُروف المُتناثرة تحت أقدامي، أُجاهد كيلا أتعثر بالخيوط المُتشابكة للحكاية؛ لكنها وفي لحظة لم أتمكن من تعيينها تعود الخيوط طائعة لكفي فأُنسجها بغير جُهد فيخرجُ من بين كَفيّ ثوب جمالُه فتّان، لكنه أيضًا ثوبٌ بلا نهاية أوبداية، ضبابٌ شهرزادي لا يعدنا بختام ..


وهُنا تمامًا يَقع الشبه بين الحكايتين..


هوامش


* مقتبس من قصيدة محمد عبدالباري "إلى سيدة نائمة الآن"

* رابط الإستماع لأغنية مصطفى سيدأحمد "الشاغلين فؤادي"


https://soundcloud.com/sara-osman-23/szpebnkzlaa7?ref=clipboard&p=a&c=0&utm_source=clipboard&utm_medium=text& utm_campaign=social_sharing

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن أدب النساء وليلى أبوالعلا

قلق التأخُر

كيف أنساكِ؟