للبلاد

كتابة مختلفة هذه المرة، عن البِلاد.. 

وأنا ومنذ زمن بعيد

" امرأة قسمت قلبها

للبلاد والشعر والسابلة"


 نذرتُ العمر للبلاد والشعر والأغنيات..

لشعر محمد عبدالباري حين يهتف في قاعة الصداقة

"وأهلي وأعرف قلبي الذي

لغير منازلهم لا يحن"

فتضج القاعة بالتصفيق للشاعر الذي يعدد عُمره "ثلاثين إغترابًا" لكنه بالرغم من ذلك كلّه لا يحنّ إلا لمنازل أهله. 


ولرنّة عود مصطفى سيدأحمد حين يغني بدر الحُسن

فيصبح ليلي الحالك صباحًا خريفيًا جميلًا..


وللبلاد التي لا أعرف كيف يمكن أن تسعها اللغة، عن حُضن أمدرمان الواسع، أُلفة شوارع الخرطوم، وعن بحري التي يعذب ويحلو فيها التيه والضياع.


الطريق القصير للجامعة، البوستة وكتب الطيب صالح، شجر أمدرمان، وفناجين القهوة الورقية في الجامعة من يد هالة، الأيادي التي تمد دائمًا لتحنو عليّ، الخطاوي الممكنة برفقة الصديقات، وغنائم الزيارة المعتادة لمركز عبدالكريم ميرغني. 


أكتب وأنا مازلت لا أعي كيف يمكن تهدم الحرب بنائي العامر، أن تصبح الدار وأهلها أطلالًا؛ لا يسعني استرجاع ملامحها إلا بالاستعانة بالصور!


كيف يمكن أن يتسرب الوطن من بين كفيّ، كما يتسرب الماء العذب من أصابع عطشى.


هذه الديار التي حملتها بين جنبيّ لسنوات طويلة، كانت الحكاية التي لا أروي غيرها، يقرأها الجميع في عيني قبل أن أنطق وأشهد بها، أؤمن بها وبحتمية عودتي لها إيمان المؤمن بالغيب، وأذكرها بوجل وصورتها ببالي "ستارُ البيت في كف التقيّ".


أذكر أعيادها الحُلوة والمرّة، ثورتها التي لم أشهدها، وأبريل شهر سقوط الطاغيّة، أذكر وقع ذلك الخبر عليّ، على أجنحة الفجر وكمنجة حسام عبدالسلام، شاي القيادة العامة، ثم النهايّة المُرة للحلم الأول في ليلة العيد.


الإتفاقات والإنقلابات، أسهر ليلًا على قنوات الأخبار لمعرفة المفاوضات، ولا تتقن هذه البلاد إلا النهايات التعيسة لكل الأحلام..


بالرغم من ذلك كُله، تتقن هذه البلاد صِنعة الفَرَح، لا تخاف غدره، تدخل الفَرَح لآخره، يغشى الفرح وجوه أهلها في غفلة من الجنرالات، ترى فرحها - المرئي والسريّ - في زحمة أسواقها يوم "الوقفة"، في لحظة عودة الكهرباء بعد انقطاع، وفي وَنسة ليلية وأكواب قهوة، تسكن افراحها التفاصيل، تندس بخجل تحت عناوين الحزن الكبيرة، تحت لافتة النزوح والحرب والموت، يسكن الفرح ثُقبًا صغيرًا يطُل نوره على ظُلمة الأيام ورتابتها. يتلصص الفرح بخجلٍ على أعراسها المعفرة بالغُبار والتَعب، وأعيادها المُخضبة بالدم والدمع.. 


في هذا اليوم المُبارك أدعو الله أن يُعيد ديارنا، أن تسكن الأوجاع، وأن تهطل السماء رحمة تكفي لإطفاء نار هذه الحرب.


 أن تطيب بلادي من  الألم، و يُنير الله ليلها الحالك.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن أدب النساء وليلى أبوالعلا

قلق التأخُر

كيف أنساكِ؟