لماء الخليج الغريب علينا

."لماء الخليج الغريب علينا
وليس غريبًا على البارجات" *

لا أنفكّ عن الحديث عن الشعر والأغنيات، ولا أذكر أني
قضيت يومًا أو أكثر دون أن أعود ولو بذاكرتي لقصيدة أو
أغنية، ولكل منهما معناها ومكانها..

لكن سريّ الصغير هو أني لا آمن لمن لا يطرب،
وبالأخص لمن لا تطربه جلسات الغناء الشعبية؛ لمن لا
تسلب لُبّه العدنيّات، وهندٌ التي يرّق منها المُحيّا، ولا
يرّف قلبه لأم كلثوم عندما تملأ الدُنيا قائلة "هل رأى
الحُب سُكارى"، لا يأنس بصوت العندليب الهادئ في
"حاول تفتكرني"، ولا يموت توقًا وشوقًا لرؤية السمحة
المُرحلّة التي غنّى لها مُصطفى سيدأحمد.. 

لا أظن أني أُفتن بآلة موسيقية بقدر فتنتي بالعود، من
لحظة الدوزنّة الأولى، رنة البدايّة ومن ثمّ الفتنة والدهشة
في الوسط والختام، وفي مقطوعات الثُلاثي جبران
تجسيدًا واضحًا لفتنة العود.. 

جلسات العود في الخليج لها نكهة شديدة الخصوصيّة،
تحديدًا عندما يُغني عقلا الفيهقي أو علي عبدالكريم
وأطربهم عندي الضويحي.

لكل منهم حلاوته؛ لكن للجلسة - دون التسجيل - لديّ
حظوة خاصّة، أطرب لطرب الحاضرين وآنس بهم،
عبارات الثناء على المُغني في ختام التسجيل، وأظن أن
حظًا عظيمًا أدركني في ملتقى أقرأ عنما غنّى لنا في
جلسة طربيّة فيصل العمري..
أذكر كيف كان يحنو فيصل على عودّه وهو يغني لنا
مُختارات من أجمل ما غنى طلال مداح "اليوم يمكن
تقولي "، كيف طربنا للينبعاوي في "اشتقنا يا حلو"
وكيف بقينا نستمع لليال طِوال ل "يا ليلاه"، كيف غاب
كُل شيء في هذه الصورة وبقيّت تسجيلات الأغاني
لتلك الليلة شاهدة على حقيقتها، لم تكن وهمًا..

يقول درويش وإن إعادو لك المقاهي فمن يعيد الرفاق
وأقول وإن أعادو الأغاني فمن يعيد الرفاق؟

وإن أنكرّت هذه الصِلّة، وإن تغطّت بالتعب والعتب على
الوطن، وإن بقيّت دائمًا في خاطري "مديحٌ لحدائق
المنفى"؛ يظلّ قلبي مُعلقًا بموسيقا الخليج، بحكاياته
التي رواها اسماعيل فهد اسماعيل وبثينة العيسى
وعبدالرحمن منيف؛ بملحه الذي يعلق بطرف ملابسي
حين أجلس في وجه البحر، تُلاحقني وجوه الأصدقاء
والأغنيات، والشِعر، والبحر، بحر الشرقاويين وصبر
البحارة الذي غنّى له بن عبده
"وصبري صبر بحارّة
بغو في اليم محارّة
غشاهم موج
وكان من الغضب أغضب
وكانو للهلاك أقرب
لولا كثرو التسبيح" 

وعود أول الكنّة لمساعد الرشيدي*
وتغريبة القوافل والمطر للثبيتي 

طرب الحاضرين لصوت الضويحي والفيهقي..

وهذا المِلح الباقي على الجسد واللسان، بقايا خليج وبحر
لن أعمى عنه ولن أتعامى.. 

هوامش
- أبيات لمحمد عبدالباري
- الكنّة : موسم الحصاد 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن أدب النساء وليلى أبوالعلا

قلق التأخُر

كيف أنساكِ؟