سعاد الكابلي

.
عن سُعاد الكابلي
افتقاري لمعرفة سياقات كثيرة يحرمني من الكتابة عن
الشعر السوداني، الشعر النبطي خصوصًا، عن هذا الخيط
الأول الذي عقدني بمعرفة الوطن ومحبته. 
..
مازلت أظن أن هذا الفقر في المعرفة نتيجة اغتراب،
فبرغم اجتهادي لا تأخذ معارفي شكلها الزمني والظرفيّ
الصحيح، ينقصني شيء، لا أعرف ماهو ولا أعرف أين
سأجده أو متى، أحاديثي عن الشعر مقطوعة السياق
ومتناثرة مهما حاولت تنظيمها ورتق فراغاتها..

اتتبع الخيط الرفيع كالشعرة بين صفحات الكتب بصبر
عظيم، تنقطع الشعرة وتظهر من بين الصفحات شعرة
أخرى أرق وأقصر، وعلى هذا المنوال أحاول ربط ما
أعرفه، ونظمه في سياق يعينني على فهمه لأكتب،
أبحث في أرشيف صحيفة الراكوبة، هذا الموقع الذي
كان نافذتي الأولى على الوطن، قرأت فيه في عمر صغير
"عُرس الزين" وطار عقلي انبهاراً.

ولا يسعني أن استمتع بما نملكه من أثر وشعر دون أن
أكتبه، الأمر أشبه بالخرَس؛ كيف يمكن أن يشير الأخرس
لجمال يذهله وهو يجهل لغة الإشارة؟ كيف يخبر من
حولّه عن مواضع الوجع في جسده وروحه؟

واجهت كُل هذا العجز عندما استمعتُ مصادفة لسُعاد
الكابلي
عن قصيدة عمر الدوش
في جو شعري/ مسرحي
يصف عمر الدوش شخصية علي ود سكينة، شخصية
قرويّة تقليدية جدًا، ولا أغالي إن قلت أنها شخصية فظّة
نوعًا ما، نتيجة واقع فظّ، في قالب مسرحي شعري
شديد الجمال.
لكن هل كانت سُعاد أنثى حقيقية؟ 
أم صورة للوطن الذي يتمنى علي ود سكينة امتلاكه؟

هذّب الكابلي في أغنيته تفاصيل كثيرة من القصيدة،
شذّب قسوتها، وأزعم أنه وصل به الحد لإنشاء نسخة
جديدة تمامًا، أكثر رقة، ولها حظ أوسع في التداول
والقبول، واجه الكابلي انتقادات كثيرة ممن اعتبرو فعله
هذا تعديًا على مضمون القصيدة، لكنني رأيت في
تعديله على النص الأصلي نقلة طبيعية للقصيدة من
فضاء الشعر - الذي لا يخضع للرقابة - لفضاء الأغنية التي
تواجه سيوفًا اجتماعية وفنية كثيرة قبل وصولها
للمتلقي.

استوعب الكابلي بنية القصيدة الكثيفة جدًا في أوصافها
ومعانيها في لحن وسياق لا يقّل عنها في الجمال
والعذوبة، بل أضاف إليها من روحه الغنائية التي تجعل
كُل ما يمر بحنجرته رشيقـا مُحببًا.
النبرة الغنائية المُتلونة بحسب السياق، المُقدمة
الموسيقية، والمؤثرات الصوتية والكورال، ما قدمه
الكابلي في هذه الأغنية فنّ حقيقي لا يسعنا أن نقف
أمامه دون أن نندهش.
أحيا الكابلي بصوته وصف الدوش - الحي والمسرحي
جدًا - لردود الفعل الجسدية - اللاواعية - على ما تشعر به
الشخصية من مشاعر مختلفة مثل الفرح والحزن.

في وصف بديع لأثر الشعور ونقيضه على الخُطى؛ وصف
الدوش استجابة خُطوة علي المُلهفة والفرِحة لنداء سعاد
 "كبرت كراعي من الفرح نص في الأرض نص في
النعال" 
ووصف نقيضها في لقاء علي بالعمدة
"ضاقت نعالي من الزعل من تحتها اتململ تراب"

استكمالًا للوصف البديع
يحكي عمر الدوش عن علي ود سكينة، الذي يمشي
بشوق درب سُعاد، مُتتبعًا صوت الدلوكة وصوت قلبه 
"يجري ويزبد شوق وينُط"، ويقف راكزًا في مواجهة
السوط لأنه يعرف أن سُعاد تحب ذلك، تحب هذه
الصفات عمومًا وتحبه هو شخصيًا حين يتصف بها، لا
شيء يستدعي الثبات في مواجهة السوط في نظر علي
ود سكينة إلا إعجاب البت سُعاد ب" زول يركز وينستر".

يخرج بعدها متألمًا من ضرب السياط لطرف البلد..
تناديه سعاد في رحلة عودته؛ سعاد التي تطل ك
"سحابة رقصّت الدُعاش"..
يقف أمامها مُعاتبًا ‏" هيّ يا سعاد علي ود سكينة الكِلتي
في خشمو الرماد"..

سُعاد التي قالت عنها التآويل أنها كناية عن الوطن الذي
يرغب ويحلم به طه المُدرس وعلي ود سكينة ويحول
بينهم وبينه العُمدة وكلابه..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن أدب النساء وليلى أبوالعلا

قلق التأخُر

كيف أنساكِ؟