قراءة أخرى للحزن

.

قراءة أخرى للحُزن

قراءة أحاول إنجازها دون مدح أو تغني، دون أن أمسك كف الشِعر الممدودة دائمًا؛ ودن أن أرى الحُزن رجلًا نبيلًا شجيًا؛ أو حتى سيدة ترتدي ثيابًا حالكة الظُلمة، قراءة أحاول فيها إيجاد الصورة الأبهى لحُزني، حُزني المُغترب عن كل حزن مُعرّف، أبيض ناصع مثل صفحات مُربكة تنتظر مني حروفًا وكلمات، شريدٌ مبلل الثياب واقف على أبواب الأحبة يقطر دمًا ودمعا وانتظارا، رفيقي الذي يضع يده الثقيلة على كتفي حتى يميله، وهمّي الذي أراه في الحُلم والصحو، وجهتي التي أخطو إليها بغير وجل أو خوف، بلادي التي أهاب بُعدها، وليلي الذي أُسيجه بالشعر الأغنيات، حكاياتي المحبوسة في النهايات التعيسة، أغنياتي التي لطالما أوجعت مُغنيها وأكلت روح شاعرها..

حُزني وجهٌ من وجوهي، لا يسعني تجاهله أو اجتنابه، ولعله يعاتبني ويثقل عليّ حين أحاول تأطيره، حين أحاول تخديره بالشعر والحكايات، وحين أهرب من حقيقته فأورده المجازات..

ليلة واحدة من سبع ليالٍ يسكنها وجه حُزني، يساومني فيها على غيبته في الليالي الباقيّة، يمسح الغبش عن عيني، يغسل بصيرتي، ويهمس لي بالحقائق التي تجاهلتها في لياليّ السِت السابقة، يروي عن الذين أحببتهم ولم يحبوني، وعن ما أردته ولم أنله، وعن حصتي من المحبة، مخزوني الثمين وسلعتي الغالية التي امتهنتها أقدام الأحبّة، يهدهد انتظارتي ويهمس لي بأن ما أرجوه "ليس بكائنٍ" وبأن ما أخشاه - ما أعرفه يقينًا وأُحسن التظاهر بجهله - سوف يكون..

ظِل آخر من ظلال حُزني يسكن بيتًا لعبدالوهاب البياتي قرأه "هاني تيتاوي" في افتتاحية لأحدوثة شعرية

"يالها من بنت كلبة
هذه الدنيا التي تُشبعنا موتاً وغربة
كان قلبي مثل شحاذ على الأبواب يستجدي المحبة
وأنا لم أتعدّ العاشرة
فلماذا أغلقوا الأبواب في وجهي؟"

أتورع غالبًا عن الجهر بقول البياتي هذا؛ أستحي ربما من مواجهة فجاجة الشِعر، بالرغم من يقيني التام بأن ما يرمينا به واقعنا أقسى وأمرّ؛ وأشد.. 

 أنا التي لم أتعدّ العاشرة حين واجهت لأول مرة؛ مرارة السؤال والانتظار خلف الأبواب المُغلقة.

ولحُزني ظلالٌ أُخرى، أقل صراحة وفجاجة؛ تسكن التساؤلات في الأغنيات، الوقفة الحكيمة والنقلة الموسيقية بين
"لي أمل فيك أُراوده
عن شغف بِتُ أكابده
ليل الحرمان أُجدده
يا ليل الصبِ متى غده؟"

متى يا وجه حُزني الصباحيّ يجيء الغد؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن أدب النساء وليلى أبوالعلا

قلق التأخُر

كيف أنساكِ؟